كيف رفعت الحرب على إيران شعبية نتنياهو في إسرائيل؟


في ظل تصاعد التوترات الإقليمية واشتداد وتيرة الهجمات بين إسرائيل وإيران، أظهر استطلاع للرأي أجرته القناة 13 الإسرائيلية أن حزب "الليكود" بزعامة بنيامين نتنياهو يتصدر المشهد السياسي، مع تسجيل ارتفاع في عدد المقاعد المتوقعة لصالحه. ورغم ذلك، فإن هذا الصعود لم يترجم إلى أغلبية كافية تضمن له تشكيل حكومة بمفرده في حال إجراء انتخابات مبكرة.
هذا الاستطلاع، الذي يعد الأول من نوعه منذ اندلاع المواجهات المباشرة مع إيران، كشف عن تحولات كبيرة في المزاج العام الإسرائيلي، ليس فقط على مستوى دعم حزب معين، بل في المواقف من الحرب، وتحديداً من استخدام القوة ضد إيران. إذ أيد 75% من الإسرائيليين الهجوم على إيران، معتبرين أنه خطوة ضرورية لإزالة التهديد النووي، بينما عبّر 17% عن رفضهم، وظل 8% مترددين.
صعود الليكود وتراجع خصوم نتنياهو
أفاد الاستطلاع بأن حزب "الليكود" سيحصل على 27 مقعداً في حال إجراء الانتخابات الآن، متقدماً على حزب نفتالي بينيت الذي تراجع إلى 24 مقعداً. أما حزب "إسرائيل بيتنا" برئاسة أفيجدور ليبرمان، والحزب الديمقراطي، فقد حازا على 11 مقعداً لكل منهما. وتوزعت بقية المقاعد بين أحزاب مثل "شاس" (10)، "يش عتيد" (7)، "الوحدة الوطنية" (7)، و"عوتسما يهوديت" (6).
تلك النتائج تشير إلى صعود الليكود من جديد، ولكنها في الوقت نفسه تسلط الضوء على استمرار الانقسام السياسي، وعدم قدرة أي تحالف تقليدي على الوصول إلى أغلبية مريحة، حتى في ظل الإجماع الظاهري خلف نتنياهو في الملف الإيراني.
إيران توحد الإسرائيليين مؤقتاً؟
الملفت أن الضربات الإسرائيلية على إيران، التي أوقعت مئات القتلى والجرحى وألحقت أضراراً بمواقع نووية وعسكرية، قد أسفرت عن توحيد الشارع الإسرائيلي خلف القيادة السياسية والعسكرية، بعد شهور من الانقسامات الحادة بسبب حرب غزة.
زعماء المعارضة، بمن فيهم أفيجدور ليبرمان وبيني جانتس، اللذان اختلفا مع نتنياهو في عدة محطات سابقة، أعلنا صراحة دعمهما للقرار العسكري الأخير. ليبرمان وصف القرار بـ"الصائب"، بينما أكد جانتس أن الصراع مع إيران ليس مسألة سياسية، بل "قضية صواب وخطأ".
هذا التماسك الداخلي يعكس فهماً شعبياً بأن التهديد الإيراني يتجاوز الانقسامات الحزبية، وهو ما يعزز موقع نتنياهو كرجل المرحلة في نظر قطاع واسع من الإسرائيليين. حتى بعض منتقديه السابقين، من بينهم كتاب بارزون مثل بن كاسبيت، أقروا بأن الحرب مع إيران تختلف عن حرب غزة التي وُصفت بأنها ذات دوافع سياسية.
تحوّل في المواقف البرلمانية
في تطور لافت، صوّتت أحزاب المعارضة قبل أسبوع من بدء الهجمات لصالح حل الكنيست، ما كان سيؤدي إلى انتخابات مبكرة يُرجَّح أن يخسرها نتنياهو. لكن بعد اندلاع الحرب، رفضت الأحزاب ذاتها اقتراحاً بحجب الثقة عن حكومته، وهو ما يعكس تبدلاً جذرياً في أولويات الساحة السياسية تحت ضغط الأحداث الأمنية.
ميراف كوهين، من حزب "يش عتيد"، اعترفت بأن التوقيت قد يكون مرتبطاً بالوضع السياسي، لكنها أكدت أن قرار الهجوم كان "صحيحاً" بغض النظر عن الدوافع.
انقسام عربي-يهودي عميق
على الرغم من التماسك اليهودي الداخلي، أظهر استطلاع للجامعة العبرية في القدس وجود فجوة حادة بين المكونين اليهودي والعربي داخل إسرائيل. ففي حين أيّد 83% من الإسرائيليين اليهود قرار الحرب على إيران، لم تتجاوز نسبة التأييد بين عرب الداخل 12%.
هذا التباين يعكس عمق الانقسام القومي داخل إسرائيل، ويبرز محدودية الإجماع حول الحرب من منظور مجتمعي شامل. فقد وصفت النائبة العربية عايدة توما سليمان الهجوم بأنه "عدواني ومتهور"، محذرة من كارثة إنسانية تطال الشعبين الإيراني والإسرائيلي.
نتنياهو الناجي من أزمات الداخل بفضل الحرب؟
في مشهد متكرر من التاريخ السياسي الإسرائيلي، يبرز بنيامين نتنياهو من جديد كـ"الناجي العظيم"، القادر على تحويل مسارات الأزمات إلى فرص سياسية. فبعد أن كانت شعبيته في أدنى مستوياتها بسبب الحرب على غزة واتهامات الفساد، جاء التصعيد مع إيران ليعيد رسم ملامح صورته القيادية.
ورغم استمرار الشكوك بشأن دوافعه، خاصة من قبل خصومه الذين اتهموه سابقاً بتوظيف الحروب للبقاء في السلطة، إلا أن تأييد واسع النطاق لضرب إيران منح نتنياهو دفعة جديدة. وبدلاً من أن يجد نفسه في موقع الدفاع، أصبح في موقع المبادرة، يُنظر إليه باعتباره حامياً لأمن الدولة في لحظة مصيرية.