اغتيال محمد كاظمي.. الضربة الإسرائيلية التي اخترقت ”الصندوق الأسود” للاستخبارات الإيرانية


في تصعيد غير مسبوق، أعلنت إسرائيل مسؤوليتها عن اغتيال رئيس استخبارات الحرس الثوري الإيراني محمد كاظمي ونائبه، في قلب العاصمة الإيرانية طهران، وهو ما أكدته لاحقاً وكالة "تسنيم" الرسمية، في خطوة اعتُبرت من أخطر الضربات الاستخباراتية التي طالت بنية النظام الأمني الإيراني منذ عقود.
جاء الإعلان الإسرائيلي من قبل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في مقابلة مع شبكة "فوكس نيوز"، حيث صرح صراحة: "استهدفنا رئيس استخباراتهم ونائبه في طهران قبل قليل"، معتبراً أن مثل هذه الهجمات قد تؤدي إلى "تغيير النظام في إيران". التصريح لم يكن مجرد إعلان، بل جزء من استراتيجية إسرائيلية تصاعدية تهدف إلى اختراق العمق الأمني الإيراني وخلخلة مراكز القوة داخله.
رد الفعل الإيراني لم يتأخر، حيث خرج المرشد الأعلى علي خامنئي في كلمة متلفزة ليتوعد قائلاً إن "إسرائيل لن تبقى سالمة"، مؤكداً أن طهران لن تكتفي بـ"أنصاف الحلول" في ردها. هذا الرد يعكس إدراك القيادة الإيرانية لمدى اختراق الضربة، لا بوصفها مجرد اغتيال بل كخلخلة مركزية لمنظومة الرقابة والردع داخل الحرس الثوري.
رمزية كاظمي وأهمية استهدافه:
محمد كاظمي لم يكن مجرد مسؤول أمني، بل يعتبر بمثابة "الصندوق الأسود" للنظام الأمني الإيراني. وُلد عام 1961 في سمنان، وكان من الوجوه البارزة في اللجان الثورية في ثمانينات القرن الماضي، لينتقل بعدها إلى العمل في أجهزة الاستخبارات.
تولى كاظمي منذ يونيو 2022 قيادة جهاز استخبارات الحرس الثوري الإيراني، وهو جهاز لا تقتصر صلاحياته على التجسس الخارجي، بل يمتد نفوذه ليشمل الأمن الداخلي، مكافحة الفساد، مراقبة النخب، وضمان الولاء العقائدي للنظام. وبصفته مقرباً من خامنئي، فقد كانت له صلاحيات تعادل نفوذ أجهزة أمنية متعددة في دول أخرى مجتمعة.
قبل ذلك، ترأس كاظمي منظمة "حماية المعلومات" داخل الحرس الثوري، وهي وحدة مهمتها مواجهة الاختراقات والتجسس الداخلي، الأمر الذي جعله عنصراً محورياً في صيانة المنظومة من الداخل.
سجل حافل بالقمع والرقابة:
وفق وزارة الخزانة الأميركية، كان كاظمي أحد أبرز المهندسين لسياسات قمع الاحتجاجات، وقاد جهود مراقبة الإنترنت واعتقال المعارضين، بالتعاون مع أجهزة الدولة كافة. كما أُشير إلى دوره في "منع تسريب المعلومات من داخل الحرس"، وفي تدقيق ملفات كافة القادة العسكريين والموافقة على تعيينهم ومهامهم.
المعارضة الإيرانية، ممثلة بـ"المجلس الوطني للمقاومة"، اعتبرت كاظمي رمزاً لجهاز استخباراتي مأزوم، وأشارت إلى أن الجهاز أصبح خلية نحل مخترقة، تحوي جواسيس وعملاء مناهضين للنظام، في ظل اتساع رقعة الاحتجاجات وتآكل الثقة داخلياً.
ضربة استراتيجية أم مغامرة محفوفة بالمخاطر؟
الاغتيال لم يستهدف شخصاً بقدر ما استهدف مؤسسة. فالحرس الثوري هو العمود الفقري للنظام الإيراني، واستخباراته تشكل "الحارس الأمين" على أسرار الدولة، من البرنامج النووي وحتى إدارة القمع الداخلي.
استهداف رأس هذا الجهاز يعني:
زعزعة شبكة الأمان الداخلي التي يعتمد عليها النظام لضمان الولاء والسيطرة.
تعطيل مؤقت لمتابعة ملفات التجسس ومكافحة الاختراق، خصوصاً مع تحذيرات سابقة من وجود عملاء داخل الجهاز.
إرباك القيادة في إدارة ملفات حساسة، كملف الطاقة النووية والعلاقات مع "محور المقاومة".
في المقابل، هذا التصعيد الإسرائيلي يفتح الباب أمام رد إيراني غير تقليدي. فقد صرح خامنئي صراحة برفضه لأنصاف الردود، وهو ما قد يدفع إيران لتوسيع دائرة الصراع، سواء عبر عمليات انتقامية مباشرة أو عبر أذرعها الإقليمية.
انعكاسات مستقبلية:
أمنياً: يمثل مقتل كاظمي ضربة موجعة للجهاز الأمني الإيراني، وقد يؤدي إلى تغييرات داخلية أو عمليات "تطهير" لمواجهة الاختراقات.
سياسياً: يفتح الاغتيال باب التساؤل حول هشاشة الأجهزة الإيرانية، ما قد يُستخدم في صراع الأجنحة داخل النظام.
إقليمياً: يزيد من خطر انفلات الصراع نحو حرب بالوكالة، سواء في العراق، سوريا، لبنان أو حتى الخليج.
دولياً: سيضع الدول الغربية، خصوصاً الولايات المتحدة، أمام تحدي إدارة التصعيد ومنع تحوله إلى مواجهة أوسع.