حرب الظلال.. هل تستخدم إسرائيل أذربيجان في صراعها مع إيران؟


منذ اندلاع الهجوم الإسرائيلي على إيران، دخلت منطقة القوقاز مرحلة توتر غير مسبوق، حيث وجدت أذربيجان نفسها في قلب معادلة معقدة، تجمع بين الجغرافيا الحساسة، والتحالفات المثيرة للجدل، والمصالح المتشابكة. وبينما تصاعدت المواجهة بين تل أبيب وطهران، سارعت باكو إلى توجيه رسائل طمأنة لطهران، أبرزها اتصال وزير خارجيتها بـنظيره الإيراني، مؤكداً حياد الأراضي الأذربيجانية. لكن هذا التصريح الرسمي لا يُمكن فصله عن خلفية تاريخية طويلة من التوترات المتبادلة، والشكوك العميقة، والتعاون المعلن – والضمني – مع إسرائيل.
جذور العلاقات بين أذربيجان وإسرائيل
بدأت العلاقة بين باكو وتل أبيب في تسعينيات القرن الماضي، لكنها سرعان ما تطورت من علاقة دبلوماسية محدودة إلى تحالف استراتيجي عميق. ويرى محللون أن هذا التحالف لا يقوم على تقارب أيديولوجي، بقدر ما يقوم على حسابات المصلحة البراغماتية، خاصة في مجالات الطاقة، الدفاع، والتكنولوجيا الزراعية. فإسرائيل تحصل على نسبة كبيرة من وارداتها النفطية من أذربيجان، في حين تعتمد باكو على التقنيات العسكرية الإسرائيلية لتعزيز قدراتها، خاصة في ظل صراعاتها المتكررة مع أرمينيا.
تحالف استراتيجي مقلق لطهران
التحالف بين باكو وتل أبيب تجاوز الاقتصاد إلى تعاون عسكري متسارع. ففي السنوات الأخيرة، استوردت أذربيجان غالبية أسلحتها من إسرائيل، بما في ذلك الطائرات المسيّرة المتقدمة وأنظمة الدفاع الجوي. وقد برز هذا التعاون بشكل حاسم خلال حرب ناغورنو قره باغ عام 2020، حيث استخدمت باكو المسيرات الإسرائيلية بفعالية ضد القوات الأرمينية.
لكن البُعد الذي يثير قلق إيران أكثر هو التعاون الاستخباراتي. تقارير عدة، أبرزها من "فورين بوليسي" و"جيروزاليم بوست"، تحدثت عن نشاط استخباراتي إسرائيلي في أذربيجان، يُعتقد أنه يستهدف العمق الإيراني. يُزعم أن باكو شكّلت منصة لعمليات جمع معلومات، بل وحتى تنفيذ عمليات نوعية مثل سرقة أرشيف إيران النووي في 2018.
مخاوف إيرانية
تنظر إيران إلى أذربيجان كجار ذي أهمية استراتيجية بالغة. فهي دولة ذات أغلبية شيعية، وتتشارك مع إيران حدوداً طويلة، كما تضم إيران نفسها أكثر من 30 مليون مواطن من العرق الأذري. لذا، فإن أي توتر مع باكو لا يُعدّ مجرد أزمة سياسية، بل تهديداً محتملاً لوحدة إيران الداخلية.
الاتهامات الإيرانية ضد أذربيجان لا تتوقف عند التعاون الاستخباراتي مع إسرائيل، بل تمتد إلى اتهامات بدعم جماعات انفصالية، ومحاولات تغيير التوازن الجغرافي عبر مشروع ممر "زنجازور" الذي تعتبره طهران تهديداً مباشراً لعلاقتها مع أرمينيا وآسيا الوسطى.
بلغ التوتر بين البلدين ذروته في يناير 2023، حين تعرضت سفارة أذربيجان في طهران لهجوم مسلح أدى إلى مقتل أحد موظفيها. أعقبت الحادثة إجراءات تصعيدية من الطرفين، شملت إغلاق السفارة، وتصريحات متبادلة شديدة اللهجة. وفي الخلفية، كانت الحرب الباردة بين إيران وإسرائيل تتسرب إلى علاقات طهران بجيرانها.
موقف باكو الرسمي.. سياسة خارجية متوازنة
رغم كل الشكوك، تُصر أذربيجان على أنها لا تنحاز لأي طرف في النزاع بين إيران وإسرائيل. ويرى مسؤولوها أن التحالف مع تل أبيب لا يعني بالضرورة العداء مع طهران. تصريحات وزير الخارجية الأذربيجاني، وكذلك ما أكده رئيس معهد أذربيجان للديمقراطية وحقوق الإنسان، تُعزز هذا التوجه، وتشدد على أن "أذربيجان لن تكون منصة لأي اعتداء على جيرانها".
الشريك الاستراتيجي والجار المريب
الواقع الجيوسياسي لأذربيجان يفرض عليها السير على حبل مشدود. فهي شريك استراتيجي لإسرائيل، لكنها في ذات الوقت تتقاسم حدودًا طويلة وحساسة مع إيران. وهي بحاجة لكل من التعاون العسكري الإسرائيلي والدعم الإيراني الصامت لاستقرار محيطها القوقازي.
التهديدات التي تواجهها أذربيجان تتنوع ما بين التوترات الحدودية، وصراع النفوذ في بحر قزوين، وصراعات داخلية تهدد توازنها السياسي. ومن هنا، فإن باكو تحرص على إبقاء باب الحوار مفتوحاً مع طهران، رغم الخلافات البنيوية بين الطرفين.