أخبار وأحداث

باكستان وإيران بين نار الانفصال وظلال الصراع الإقليمي.. قراءة تحليلية في تداعيات الغارات الإسرائيلية

باكستان
باكستان


مع تصاعد وتيرة الغارات الإسرائيلية على الأراضي الإيرانية، بدأت تداعيات الأزمة تتجاوز حدود طهران لتطال العمق الجيوسياسي في الإقليم، حيث تبرز الحدود الباكستانية-الإيرانية كأحد أكثر النقاط توتراً وخطورة. المخاوف في إسلام آباد ليست محض نظرية، بل تحوّلت إلى واقع استراتيجي تحكمه اعتبارات أمنية معقّدة وموروث من النزاعات العرقية والطائفية.
في هذا السياق، حذّر قائد الجيش الباكستاني الجنرال عاصم منير خلال لقائه بالرئيس الأميركي دونالد ترمب في البيت الأبيض من احتمال استغلال الجماعات المسلحة الانفصالية والمتشددة حالة الفوضى داخل إيران. وهي تحذيرات لم تأتِ من فراغ، بل تستند إلى واقع ميداني قائم، حيث تنشط جماعات كـ"جيش العدل" على طرفي الحدود الممتدة لنحو 900 كيلومتر، وهي جماعة مسلحة من البلوش والسنة تتخذ من الأراضي الباكستانية ملاذًا، وتعارض بشدة النظام الإيراني.

خطر مضاعف


هذا الخطر المضاعف يجعل من تفتان — المعبر الحدودي الذي شهد عودة آلاف الحجاج والطلاب الباكستانيين من إيران بعد الهجمات — أكثر من مجرد نقطة عبور؛ إنها مرآة تعكس هشاشة الوضع الإقليمي واحتمالية تحوّله إلى فوضى عابرة للحدود. ففي حين تنشغل إيران بالدفاع عن بنيتها النووية، تتأهب باكستان لما هو أخطر: تفكك الدولة الإيرانية من الداخل وما قد يخلقه من فراغ أمني على حدودها.
وقد أبدى شفقت علي خان، المتحدث باسم الخارجية الباكستانية، قلقاً بالغاً من أن التصعيد الإسرائيلي في إيران "يهدد البنية الأمنية للمنطقة برمتها"، وهو موقف يعكس التحول الحذر في السياسة الخارجية الباكستانية، التي لم تكن يومًا على وفاق تام مع طهران، لكنها اليوم تضع احتمالات الانهيار الإيراني في صدارة أولوياتها.
في المقابل، تنظر بعض الجماعات المسلحة، كـ"جيش العدل"، إلى الصراع باعتباره فرصة استراتيجية لفرض واقع جديد في الإقليم. ففي بيان لها منتصف يونيو، دعت هذه الجماعة أبناء الشعب الإيراني، خصوصاً من البلوش، إلى "الانضمام إلى صفوف المقاومة"، في دعوة صريحة لثورة عرقية مسلحة تهدد وحدة الأراضي الإيرانية.

عداء تاريخي


ورغم العداء التاريخي بين إيران وباكستان في ملف الأقليات البلوشية، فإن الغارات الإسرائيلية وضعت الجانبين أمام مصلحة مشتركة مؤقتة: منع تحول المنطقة إلى ساحة حرب بالوكالة. فالقلق الباكستاني لا يقتصر على تداعيات الصراع الإيراني الإسرائيلي فحسب، بل يمتد ليشمل إمكانية تحوّل الجماعات البلوشية إلى حركة موحّدة تطالب بإنشاء "بلوشستان الكبرى"، كما حذر المحلل سيمبال خان. سيناريو كهذا، إن تحقق، قد يعصف بالاستقرار في دولتين نوويتين، ويدفع المنطقة نحو إعادة رسم الخرائط الإثنية والعرقية.
وتكتسب هذه المخاوف أبعاداً إضافية مع دخول أطراف دولية كالصين على الخط، حيث تستثمر بكين مليارات الدولارات في مشاريع البنية التحتية داخل إقليم بلوشستان الباكستاني، لا سيما في ميناء جوادر. وقد سبق أن تعرضت المصالح الصينية هناك لهجمات متكررة من الجماعات البلوشية المسلحة، مما يرفع من احتمالية تدويل الأزمة.
من جانبها، تراقب إيران بدورها بعين الريبة التحركات داخل بلوشستان، وتتهم باكستان ودول الخليج وحتى إسرائيل والولايات المتحدة بدعم هذه الجماعات الانفصالية. هذه الاتهامات لا تُعدّ جديدة، لكنها في السياق الحالي تعكس هشاشة الجبهة الداخلية الإيرانية، واحتمال انكشافها إذا استمر الضغط العسكري الإسرائيلي.
الهجوم الإسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية لم يكن مجرد ضربة تكتيكية، بل أرسى سابقة خطيرة تهدد بتغيير قواعد الاشتباك الإقليمي. فباكستان، التي تخوض توازنًا صعبًا مع الهند وتراقب الوضع في أفغانستان بقلق، لا ترغب في أن تفتح جبهة حدودية ثالثة في غربها مع إيران.
أخيرًا، تعكس تعليقات ترمب بعد لقائه بالجنرال منير ("إنهم غير راضين عن كل شيء") إدراكاً أميركياً لتراكم المخاوف الباكستانية من نتائج الصراع. لكن ما لم يُحسم بعد هو ما إذا كانت الولايات المتحدة مستعدة للعب دور الموازن بين الحليف الإسرائيلي والمصالح الباكستانية، أم أنها ستترك الأمور لتتفاقم على حدود باتت تمثل برميل بارود قابلًا للاشتعال في أي لحظة.

باكستان إيران نار الانفصال الصراع الإقليمي الغارات الإسرائيلية

أخبار وأحداث