الجيش السوداني يصد هجوما عنيفا على بابنوسة في غرب كردفان


* مسيرات الجيش تكثف ضرباتها على مواقع «الدعم السريع» في مدينة بارا وتراجع حدة المواجهات بالفاشر
صد الجيش السوداني أمس الجمعة هجوماً عنيفاً ومباغتاً على مدينة بابنوسة بغرب كردفان شنته قوات "الدعم السريع" على موجتين عبر ثلاثة محاور، غرب وجنوب وشمال، بعد معارك ضارية بين الطرفين، وتمكنت الأخيرة من التوغل داخل الأحياء السكنية، لكن الجيش أجبرها على التراجع والانسحاب بعد تدخل سلاح الطيران المسير، فضلاً عن استخدام المدفعية الثقيلة. وفي بيان مقتضب للناطق الرسمي للجيش العميد نبيل عبدالله على منصة "فيسبوك" قال فيه إن قوات الجيش في الفرقة 22 - بابنوسة سحقت هجوماً كبيراً ظلت تحشد له (الدعم السريع) منذ مدة، وستظل هذه المدينة صامدة ومقبرة لهم".
وبحسب مصادر عسكرية، فإن "الدعم السريع" قصفت بالمدفعية الثقيلة بصورة مكثفة قيادة الفرقة 22 - بابنوسة في وقت مبكر من صباح أمس، قبل أن تهاجم المدينة براً، حيث اندلعت معارك عنيفة بين الفريقين داخل قيادة اللواء 89 المجاورة للفرقة 22، والذي سيطرت عليه "الدعم السريع" "قبل أن يتم دحرها"، وبثت منصات تابعة لـ"الدعم السريع" مقاطع مصورة لمسلحيها داخل مقر اللواء 89 - مشاة معلنين سيطرتهم عليه، لكن سرعان ما نشر جنود تابعين للجيش مقطعاً من الموقع ذاته يؤكدون استعادتهم له وطرد القوة المهاجمة.
وأشارت المصادر إلى أن الفرقة 22 - مشاة كبدت "الدعم السريع" خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، واستولت على أكثر من 40 مركبة قتالية خلال هذه الاشتباكات، بخاصة تلك التي وقعت عند الحدود الشرقية للمدينة، في حين أظهرت مقاطع فيديو عرض جنود من الجيش عدداً من السيارات القتالية التي تعرضت للتدمير.
واستأنفت "الدعم السريع" منذ منتصف الأسبوع الماضي عملياتها العسكرية البرية الرامية للسيطرة على بابنوسة بعد توقف المواجهات بين الطرفين لأكثر من عام، حيث عززت موقفها بقوة عسكرية كبيرة، وصل معظمها من دارفور، والبقية من الفولة والمجلد وأبو زبد بالولاية نفسها.
وتميل الغلبة في السيطرة على ولاية غرب كردفان لـ"الدعم السريع" باستثناء بابنوسة التي تعد آخر معقل استراتيجي للجيش بعد انسحابه من الفولة، والنهود، والخوي عقب معارك كر وفر.
وتسببت المعارك المستمرة منذ مايو (أيار) الماضي في نزوح آلاف المدنيين من بابنوسة إلى قرى ومدن أكثر أمناً، في ظل ظروف إنسانية وصحية بالغة الصعوبة، في موازاة نقص حاد في الغذاء والدواء وانعدام الخدمات الأساسية.
معارك بارا
أما في محور شمال كردفان فقد كثفت مسيرات الجيش السوداني ضرباتها الجوية على مواقع "الدعم السريع" في مدينة بارا، وتحديداً في أحيائها الجنوبية والشمالية أعقبها دوي انفجارات قوية وتصاعد أعمدة النيران.
وأفاد شهود بأن "الدعم السريع" نفذت، عقب هذه الضربات، حملة اعتقالات واسعة طاولت عشرات المدنيين بعدما اتهمتهم بالتخابر لمصلحة الجيش، فضلاً عن فرضها قيوداً صارمة على حركة المدنيين في المدينة شملت إغلاق السوق الرئيسة ساعات طويلة، فضلاً عن مصادرة أجهزة الاتصال الفضائي "ستارلينك" إلى جانب مداهمة المنازل.
ويسعى الجيش إلى التقدم نحو بارا واستعادتها من قبضة "الدعم السريع" إذ دفع، خلال الأيام الماضية، بتعزيزات عسكرية تهدف للتقدم نحو البلدة عبر محورين، الأول من غرب أم درمان، حيث تتمركز قوات الجيش في منطقة أم أندرابة، والثاني محور الأبيض عاصمة شمال كردفان.
وتعاني المدينة من توافر السلع الغذائية وارتفاع أسعارها بعدما أحجم التجار عن إيصال البضائع للأسواق خوفاً من عمليات النهب.
قصف الدلنج
وفي محور جنوب كردفان، قصفت قوات الجيش الشعبي التابع للحركة الشعبية - شمال بقيادة عبدالعزيز الحلو، بالمدفعية الثقيلة، وبصورة مكثفة، عدداً من أحياء مدينة الدلنج ثاني أكبر مدن ولاية جنوب كردفان. ووفقاً لمصادر عسكرية، فإن القصف تسبب في تدمير نحو خمسة منازل في الأقل من دون الإبلاغ عن خسائر في الأرواح.
وخلال الأسبوع الجاري، هاجمت الحركة الشعبية مسنودة بـ"الدعم السريع" منطقتين، في الأقل، بولاية جنوب كردفان في محاولة ترمي لعزل كادوقلي عن الدلنج وإعادة الحصار مجدداً، لكن الجيش أعلن التصدي للهجوم مكبداً القوة المهاجمة خسائر في الأرواح والعتاد الحربي.
وتعاني الدلنج، منذ الأشهر الأولى للنزاع، حصاراً خانقاً فرضته خريطة السيطرة لأطراف النزاع العسكري بولاية جنوب كردفان، وهي الجيش و"الدعم السريع"، فضلاً عن الحركة الشعبية. وتسبب الحصار في خلق أزمة إنسانية نتج منها الإبلاغ عن حالات مجاعة ناجمة عن الانعدام الكبير في السلع الغذائية والدوائية.
وفي وقت سابق اتهم الجيش قوات الحركة الشعبية و"الدعم السريع" بقتل 14 مدنياً في الأقل في هجوم مشترك لهما على بلدة قرب مدينة كادوقلي. وفي ولاية جنوب كردفان تسيطر "الدعم السريع" على مدينتي الدبيبات والحمادي، بينما تبسط الحركة الشعبية نفوذها على كاودا، ومناطق محيطة، ويحتفظ الجيش بالمدن الكبرى مثل كادوقلي والدلنج.
محور دارفور
في محور دارفور تراجعت حدة المواجهات في مدينة الفاشر نسبياً في وقت تشهد المدينة أوضاعاً إنسانية كارثية وغير مسبوقة وسط انعدام الأمن وغياب شبه كامل للمساعدات الإنسانية والخدمات الأساسية والارتفاع الجنوني في أسعار السلع إلى جانب ندرة السيولة النقدية.
وأشار بيان لتنسيقية لجان مقاومة مدينة الفاشر إلى أنه "في ظل هذا الوضع الإنساني الحرج نطلق نداءً عاجلاً للتدخل السريع والعاجل لتوفير المواد الأساسية وإيجاد حلول مستدامة تعيد الاستقرار وتضمن بقاء السكان على قيد الحياة في مدينة الفاشر"، ونوه البيان إلى أن الأسواق تعاني نقصاً حاداً في السلع الأساسية نتيجة لانقطاع الإمدادات وغياب الاستقرار، مبيناً أن انهيار العملة وشح الموارد انعكسا سلباً على أسعار السلع الأساسية التي لم تعد في متناول الغالبية الساحقة من المواطنين. وتابع "حتى مع توفر بعض السلع فإن غياب السيولة يمنع المواطنين من الشراء، مما يزيد من تفاقم الأزمة الإنسانية".
وتسعى "الدعم السريع" إلى السيطرة على آخر معاقل السلطة المركزية في إقليم دارفور، حيث ظلت منذ أكثر من عام تشن هجمات متواصلة على العاصمة التاريخية لإقليم دارفور، لكن الجيش وحلفاءه ظلا يصدان هذه الهجمات.
قلق أممي
دولياً، حذر مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك من الأعمال العدائية التي تمارس في مناطق متعددة بشمال دارفور وكردفان ضد المدنيين بصورة متصاعدة، والتي تتمثل في العنف الجنسي والاختطاف والنهب. وأشار تورك إلى أن القتال الأخير وخطر تفاقم الصراع المميت، يثيران مخاوف جدية متعلقة بالحماية، في ظل بيئة تسودها ثقافة الإفلات من العقاب على انتهاكات حقوق الإنسان، لافتاً إلى أن الجميع يعلمون إلى أين يؤدي مزيد من التصعيد، وشدد على ضرورة حماية المدنيين والتحقيق في الانتهاكات والجرائم ومحاسبة المسؤولين عنها.
كما دعا أطراف النزاع إلى ضمان مغادرة المواطنين الفاشر والدبيبات والأبيض والأماكن المحاصرة بأمان، والامتناع عن مهاجمة الأعيان المدنية، ووضع حد للأعمال العدائية.
ودعا المسؤول الأممي جميع الدول إلى استخدام تأثيرها للضغط من أجل التوصل إلى حل سياسي دائم، وضمان احترام أطراف النزاع القانون الدولي الإنساني، فضلاً عن ضغط الدول من أجل وقف تدفق الأسلحة إلى البلاد، وكبح جماح المصالح التجارية التي تغذي هذا الصراع.
ونوه بأن هجوم "الدعم السريع" الأخير على الفاشر يذكر باجتياحها مخيم زمزم في أبريل (نيسان) الماضي، مما أسفر عن مقتل مئات المدنيين، وانتشار العنف الجنسي، إضافة إلى كارثة إنسانية. وأوضح تورك أن القتال من أجل السيطرة على الدبيبات في جنوب كردفان، جعل المدنيين محاصرين في البلدة، في وقت تحاصر "الدعم السريع" مدينة الأبيض بشمال كردفان، محذراً من خطورة هجومها عليها.